الحرارة والرطوبة في دول أفريقيا قد تبطئ انتشار فيروس كورونا القارة الأكثر فقرًا هي الأقوى مناعة في مواجهة الوباء مكافحة الشائعات لا تقل أهمية عن مكافحة انتشار الفيروس
بعد مرور 7 أسابيع فقط منذ اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كورونا في قارة أفريقيا (وكانت لمواطن إيطالي في الجزائر)، زحف الوباء على دول القارة مصيبًا أكثر من 10 آلاف شخص وموديًا بحياة نحو 490 شخصًا حتى الآن.
ونقلت صحيفة الجارديان عن المدير الإقليمي لأفريقيا في منظمة الصحة العالمية ماتشيديسو مويتي قوله "أعداد الإصابات تتضاعف بشكل متسارع في أفريقيا. لقد استغرق الأمر 16 يومًا منذ اكتشاف الإصابة الأولى حتى وصلت الإصابات إلى 100، وبعدها بعشرة أيام بلغت الإصابات ألف حالة، وبعدها بثلاثة أيام بلغت ألفين، وبعدها بيومين فقط بلغت 3 آلاف إصابة".
وقال أستاذ علم الأوبئة بجامعة هارفارد ويليام هاناج إن "المشكلة في أفريقيا كما في بقاع أخرى من العالم هي أن قلة عدد الاختبارات المتاحة تجعل من الصعب معرفة حقيقة أوضاع انتشار الفيروس في القارة. يمكن القول إن دول أفريقيا حاليًا لا تزال في المراحل الأولى لانتشار الوباء بالنظر إلى قلة اتصال المدن الرئيسية بالعالم الخارجي، بخلاف مدينة مثل نيويورك".
أما الأستاذ بالمعهد الأفريقي للبحوث الصحية ثومبي ندونجو فيقول أنه "من دون أن نعرف أكثر عن سلوك فيروس كورونا والعوامل المناعية أو الجينية التي قد تحمي بعض الأشخاص من الإصابة به، يستحيل أن نعرف بدقة تأثير الوباء على القارة".
وأضاف ندونجو "لا نعرف بدقة بعد لماذا ينتشر فيروس كورونا في أفريقيا بمعدل أقل من مثيله في أوروبا أو الصين، ربما لأن الفيروس غزا أوروبا خلال الشتاء ولا ينتشر بنفس السرعة في الأماكن الحارة والرطبة كما تشير بعض الدراسات، أو قد يكون السبب أن نسبة الشباب بين السكان في أفريقيا أعلى من مثيلتها لدى أوروبا، حيث يصيب الفيروس أكثر ما يصيب ويقتل كبار السن".
وتابع ندونجو "الاحتمال الأخير أن المسالة قد تكون مسالة وقت فحسب قبل أن ينتشر الفيروس في أفريقيا بمعدلات انتشاره خارجها، وإذا شهدت دول أفريقيا جنوب الصحراء انتشارًا كثيفًا كالذي في إيطاليا مثلًا فقد يعني ذلك أننا على أعتاب كارثة".
وأوضح ندونجو "ليس لدينا في أفريقا العدد الكافي من المستشفيات ووحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي للتعامل مع انتشار كثيف لفيروس كورونا، فإذا ما حدث وانتشر الفيروس في القارة بمعدلات انتشاره في الصين وأوروبا فستكون النتيجة كارثية".
وتقول أستاذة علم الأوبئة بجامعة بوسطن هيلين جنكينز إن مما يرفع مستويات الخطورة في أفريقيا أن الكثير من شعوب القارة قد ابتليت في مراحل سابقة بمرضي السل والملاريا، ما يضعف مناعة عدد كبير ممن أصيبوا بهما تجاه الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي مثل فيروس كورونا.
وبحسب قناة "سي إن إن" الأمريكية، يتزامن تفشي وباء كورونا مع انحسار وباء آخر مميت في أفريقيا، هو إيبولا، بعد ما أهلك الكثيرين من أبناء القارة السمراء لسنوات.
وأضافت القناة أن لدى أفريقيا خبرات ثمينة في التعامل مع الأوبئة ومكافحتها والوقاية منها، يمكن أن تقدمها للعالم في حربه المستعرة ضد فيروس كورونا.
وأوضحت القناة أن الدرس الأفريقي الأول في مكافحة الأوبئة هو أن حماية ووقاية العاملين بالرعاية الصحية يجب أن يكون أولوية قصوى، خاصة وأن انتشار الوباء أصبح يشكل ضغطًا رهيبًا على الخدمات الصحية والعاملين بها، حتى في كبرى دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة.
إن حماية العاملين بالرعاية الصحية هو الشرط الأول لمنع المنظومة الصحية نفسها في أي دولة من الانهيار، ولذا يجب التأكد من إمداد المنشآت الطبية بما يكفي من وسائل وأدوات الحماية والوقاية، وتدريب العاملين بها جيدًا على محاصرة الفيروسات ومنع انتشارها داخل المنشآت.
الدرس الأفريقي الثاني فيما يتعلق بمكافحة الأوبئة هو أن مكافحة الشائعات والمعلومات المغلوطة لا يقل أهمية عن مكافحة الفيروسات نفسها، ففي أوقات انتشار وباء إيبولا في أفريقيا، حالت الشائعات والأخبار الزائفة دون تعاون السكان والمجتمعات المحلية مع السلطات في جهود اكتشاف المصابين ومكافحة الوباء، بل لقد وصل الأمر في الكونغو إلى ممارسة الأهالي أعمال عنف ضد العاملين بالرعاية الصحية وتحطيم عيادات طبية.
الدرس الأفريقي الثالث هو أهمية الاعتماد على الأشخاص ذوي المكانة والشعبية في المجتمعات المحلية، لضمان تعاون أهالي تلك المجتمعات مع جهود مكافحة الأوبئة، فعندما يتم تدريب الأشخاص الذين يحظون بالثقة في محيطهم المحلي وتزويدهم بالمعلومات وأساليب الوقاية يغدو من السهل إقناع الأهالي بالتجاوب وتسهيل مهمة السلطات المختصة.
ويرتبط بذلك درس أفريقيا الرابع، وهو أهمية التنسيق مع الشخصيات والمؤسسات الدينية، كونها تحظى بثقة عالية بين الاهالي، لا سيما في المجتمعات التقليدية والمحافظة، فيمكن الاعتماد عليهم في نشر الوعي، كما أن المؤسسات والجمعيات الدينية في الدول الفقيرة كثيرًا ما تقدم خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية لغير القادرين، وقد سجلت الخبرة الأفريقية بالفعل تعاون المنظمات الإغاثية مع المؤسسات والجمعيات والشخصيات الدينية في المجتمعات المحلية للمساعدة في تتبع حالات الإصابة وإقناع الأهالي بالالتزام بالإجراءات الوقائية.
أما الدرس الأفريقي الخامس والأخير فهو ضرورة زيادة القدرة على اكتشاف الإصابات بالأوبئة في أسرع وقت، ويقتضي ذلك تكثيف إنتاج أدوات الفحص والاختبار وتوزيعها على أوسع نطاق ممكن، ورفع كفاءة المختبرات الطبية والعاملين بها، خاصة في الدول الفقيرة والمتخلفة.
وختمت القناة بالقول إن وباء كورونا يشكل تهديدًا خطيرًا لدول أفريقيا جنوب الصحراء، بالنظر إلى ضعف بنية منظوماتها الصحية، وتكدس الكثير منها بالسكان الذين يقيمون ويتحركون في مساحات بالغة الضيق والاكتظاظ، ما يرفع احتمالات انتقال العدوى بشكل مخيف.
وفي ظروف كهذه، يغدو سلاح أفريقيا شبه الوحيد في مواجهة هذا الخطر المحدق هو خبرتها الثمينة في مكافحة الأوبئة، والدروس المستفادة من الخبرات الأفريقية تلك يجب أن تكون عبرة للعالم كله في حربه الطاحنة ضد وباء كورونا.
المصدر : صدي البلد