منارة إشعاع فنية وثقافية، تفيض بعطائها الإبداعي الخلاق، هكذا يعد متحف كوكب الشرق أم كلثوم، الذي يعتبر شاهدا على عصر أيقونة الغناء العربي التي نالت لقب كوكب الشرق، وجاء المتحف ليكون عرفانا بالدور الخالد الذي لعبته أم كلثوم في إثراء الوجدان المصري والعربي، وتقديرًا لفنها الأصيل، وسلوكها القومي والإنساني النبيل، وحرصًا على تراثها القيم، الشخصي والعام، ورغبة في أن يتواصل هذا التراث، فنًا وسيرة، مع الأجيال القادمة واللاحقة.
بدأ العمل لتجهيز وإقامة متحف أم كلثوم في آخر إبريل عام 1998و تم افتتاح هذا المتحف في 28 ديسمبر سنة 2001، في منطقة الروضة، على النيل، بأحد المباني الملحقة بقصر المانسترلي، على مساحة قدرها 250 مترًا.
وتقع هذه المنطقة في نهاية جزيرة الروضة، الركن الجنوبي الغربي منها، وهي معروفة باسم منطقة "المقياس" لوجود مقياس النيل الشهير بها، حيث يجتذب السياح الأجانب والرواد المصريين، أما قصر المانسترلي، والمتحف ملحق بأحد مبانيه، فهو أثر تاريخي هام، وتحفة معمارية أصيلة تبلغ مساحته 1000 م2 بناه صاحبه حسن فؤاد باشا المانسترلي عام 1851م وقد كان "كتخدا" مصر في عهد عباس حلمي الأول. وكان محافظًا للقاهرة عام 1854 ووزيرًا للداخلية عام 1857 وتوفى ودفن بالقاهرة عام 1859.
وعند زيارة المتحف الأثري النابض بالحياة بمحاذاة النيل الخالد، يطالع الزوار مقتنيات فنانة الشعب الخاصة التي رحلت عن دنيانا في 3 فبراير 1975، وأوراقها، وخطاباتها، وصورها النادرة بالمتحف، وفساتينها ومجوهراتها ومتعلقاتها الشخصية، ومكتبتها الموسيقية والغنائية، وكنوزها وأسرارها الفنية، وكأنما تستقبلهم سيدة الغناء العربي بنفسها قائلة "هذه ليلتي".
وتبدو زيارة متحف أم كلثوم بقصر المانسترلي إطلالة مزدوجة على التاريخ والسحر، وتسيطر حالة نادرة على الزائر، إذ يتعانق الألماس الحر في مجموعة مجوهرات سيدة الغناء العربي بالمتحف ومقتنياتها النفيسة، مع الصوت الذهبي المنثال في فضاء المكان من المكتبة السمع- بصرية، التي تضم الروائع الغنائية لفاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، ابنة قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية، التي امتلكت من الطاقات الخفية والقدرات الاستثنائية ما يؤهلها لأن تكون قيثارة الشرق الخالدة.
متحف أم كلثوم، ليس متحفا توثيقيّا فقط، بل يحتوي أيضا على فعاليات حية، تتنوع بين حفلات موسيقية وغنائية، ومحاضرات تحليلية وأكاديمية، ويلجأ الكثير من الدارسين إلى تسجيلات المتحف وأوراقه للتتلمذ على يد أكاديمية أم كلثوم التنويرية.
شكلت أم كلثوم انطلاقة حقيقية للأغنية والموسيقى العربية في النصف الأول من القرن العشرين، حيث تحولت الثيمات اللحنية في أعمالها من التطريب الحروفي إلى الأداء التعبيري، كما اتسعت مجالات الأغنية لتشمل القيم الوطنية والإنشاد الديني والإحالات السياسية، وانحازت أم كلثوم للإرادة الشعبية في مرحلة الاحتلال البريطاني، كما كرست أعمالها للحشد لمعارك مصر ودعم المجهود الحربي في عهدي عبدالناصر والسادات.
وشكلت الأغنيات والقصائد التي شدت بها أم كلثوم وتعاملت فيها مع كبار الشعراء والموسيقيين، تطويرا للقوالب التراثية النمطية، وتآلفا بين الشرقي المألوف والغربي الوافد، على مستوى اللحن، وأيضا الآلات والتوزيعات والإيقاعات، بما يعني نشوء مدرسة مكتملة الأركان.
في متحف أم كلثوم، العديد من المقتنيات منها: "وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة"، الذي منحه لها العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني في مارس 1965، ومجموعة من الأوسمة والنياشين التي حصلت عليها أم كلثوم، منها قلادة النيل من الرئيس عبدالناصر، وسام الاستحقاق السوري، وسام الأرز الوطني من لبنان، وسام الجمهورية التونسية، وغيرها.
ومن المقتنيات كذلك "غرامافون" وأسطوانات ومكبر صوت، أهدتها شركة "هيزماستر فويس" لأم كلثوم، ومجموعة من الحقائب والأحذية الثمينة المصنوعة من جلد التمساح، وميكروفون خاص أهدته الإذاعة المصرية لسيدة الطرب العربي، ومجموعة من الأطروحات الجامعية حول أعمال أم كلثوم الفنية.
المصدر : صدي البلد