في بلدٍ يتمتع بتاريخ طويل من إساءة معاملة العمال الوافدين واستغلالهم، وأُدين دوليا في السنوات الأخيرة، فإن مجابهة فيروس كورونا المستجد في أوساط هؤلاء العمال قد يكون أمرًا بالغ الصعوبة.. تلك الحقيقة خلص إليها تقرير صحفي دولي عن أزمة قطر مع كورونا والعمالة الوافدة التي تبلغ أكثر من مليونين من إجمالي 2.6 مليون إجمالي سكان الدولة.
وسلط تقرير مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الضوء على أوضاع العمالة الوافدة في الإمارة الخليجية الصغيرة، خاصة مع اقتراب جائحة الفيروس التاجي من جميع أنحاء قطر، التي بلغ إجمال المصابين فيها الآن أكثر من 2000 حالة مؤكدة، خاصة مع أماكن المعيشة التي يعاني منها العمال الوافدون، وانعدام فرص الحصول على الرعاية الصحية والطعام المناسب، وهو ما يعرضهم للخطر بشدة.
وقال التقرير إنه بالرغم من وجود أعداد كبيرة من العمال الوافدين في الدول المجاورة، إلا أن المشكلة أكثر إلحاحًا في قطر؛ حيث الحجم الهائل للقوى العاملة الوافدة مقارنة بإجمالي السكان، والمخيمات المكتظة التي يعيش فيها العمال، وضغوط البناء بسبب نهائيات كأس العالم التي تلوح في الأفق، تعرض العمال الأجانب في قطر لخطر الإصابة بالفيروس التاجي.
وأضاف أنه في الوقت الذي أغلقت فيه قطر جميع الأماكن العامة لمجابهة الفيروس، لا يزال عمال البناء يعملون في مجموعة متنوعة من المشاريع الخاصة بكأس العالم، على الرغم من تسجيل مئات الإصابات بالفيروس التاجي بينهم.
ويطرح التقرير تساؤلًا مهمًا: كيف يمكن للعمال "الحفاظ على مسافات التباعد الاجتماعي" عندما يضطرون للذهاب إلى المصانع، ومواقع البناء؛ حيث "يعمل أكثر من 200 شخص معًا ويتقاسمون نفس الحافلة"؟
وأشار التقرير إلى وجود الكثير من حالات الإصابة بين العمال؛ إذ اكتشف في 11 مارس الماضي نحو 238 حالة إصابة بكورونا في مجمع سكني واحد في المنطقة الصناعية، ومنذ ذلك الحين تم تحديد العشرات من الحالات الأخرى التي يبدو أنها مرتبطة بتلك بالفاشية الأولية.
ولفت التقرير إلى حقيقة عدم الشفافية التي تنتهجها قطر؛ إذ لا تقدم الحكومة أي أرقام عن نسبة المصابين من العمال الوافدين.
وأكد التقرير أن بعض العمال يخشون من التقدم للإبلاغ عن الأعراض المرضية، أو الخضوع لفحص الفيروس؛ خوفًا من الترحيل؛ ما يضطرهم للتعايش مع الفيروس، وتعريض صحتهم وصحة الآخرين للخطر.
وتقول إليزابيث فرانتز، مديرة شعبة مبادرة الهجرة الدولية التابعة لمنظمة المجتمع المفتوح، في هذا الصدد: "يجب أن تكون هناك ضمانات بعدم ترحيل العمال الوافدين الذين يبلغون عن أعراض أو نتائج إيجابية. يجب أن يطمئنوا بأنهم لن يفقدوا وظائفهم إذا كانوا مرضى".
وأغلقت قطر جزءًا كبيرًا من المنطقة الصناعية بعد التأكد من إصابة المئات من العمالة الوافدة، مع تشديدها على إرسال الاحتياجات اليومية من مواد غذائية وطبية لتلك المواقع، وضمان عدم انقطاع رواتبهم، إلا أن ذلك لم يكن إلا مجرد حبر على ورق بحسب بعض العمال العاملين هناك.
ويقول بي ناريندرا، عامل نيبالي، للمجلة الأمريكية: "إن الوضع هنا خطير؛ لقد كنت أتحدث بشكل متكرر مع العمال الموجودين في مناطق الإغلاق، لا يسمح أصحاب العمل للعمال بالخروج لشراء الطعام، ولا تقدم الشركات الطعام. ليس لدينا أي حقوق لطلب الدعم".
ويقوم "ناريندرا" بالاتصال يوميًا بعشرات العمال النيباليين الذين يشعرون بالارتباك والخوف، بصفته جزءًا من مجموعة غير رسمية من العمال النيباليين الذين يدافعون عن ظروف عمل ومعيشة أفضل. وقال إن الكثير من العمال يفتقرون إلى الوعي والفهم حول الفيروس وكيفية انتشاره.
وبحسب "ناريندرا": ينام معظم العمال في غرف مشتركة، ويتشاركون الغرف مع غيرهم (نحو 10 أشخاص في الغرفة الواحدة)، كما يتشاركون المطابخ والحمامات مع العشرات غيرهم، ويستقلون الحافلات المكتظة للوصول إلى أعمالهم ومواقع البناء.
وخلص التقرير إلى أنه في حال لم تتخذ قطر الإجراءات والتدابير اللازمة، وتوفير الفحص والرعاية الطبية المناسبة، وظروف المعيشة الملائمة لهؤلاء العمال؛ فإن الوضع سيكون قابلًا للانفجار.
المصدر : صدي البلد