يقدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، حكاية الكتاب السَّادس «كيف نُواجه الشَّدائد والمخاوف في ضوء الكتاب والسُّنَّة» للمُستشار الدُّكتور مُحمَّد شوقي الفنجري (1926م – 2010م)، وذلك في إطار مشروعه التثقيفي «#حكاية_كتاب».
نبذة عن المستشار الدكتور مُحمَّد شوقي الفنجريوُلِد كاتبنا الدُّكتور مُحمَّد شوقي الفنجري عام 1926م في محافظة الشرقية، ونشأ وتربي في قرية تابعة لمركز «بنها» أحد مراكز محافظة القليوبية.
وأتمَّ حفْظ القرآن الكريم بكُتَّاب قريته في صغره بتشجيعٍ من والدته التي كان لها فضل كبير في تفوُّقه.
التحق بعد ذلك بمدرسة الخديوي إسماعيل بالقاهرة، وحصل منها على التَّوجيهيَّة، وكان واحدًا من العشرة الأوئل على الجمهورية.
وفي عام 1944م التحق بكلية الحُقوق جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1948م، ثم حصل منها على دبلوم الدِّراسات العُليا في الاقتصاد الإسلامي، ثم دبلوم الدِّراسات العُليا في الشريعة الإسلامية.
كما شارك الشَّعبَ المصري كفاحَه ضد الاحتلال البريطاني آنذاك وأُصيب أصابةً بالغةً تسببت في ملازمته الكرسي المُتحرك بقية حياته؛ فكان من أصحاب الهمم والقُدارات الخاصَّة.
عمل الفنجري بعد تخرجه في هيئة قضايا الدَّولة؛ وتدرَّج في وظائفها حتى وصل إلى وكيل مجلس الدَّولة.
وفي عام 1963م سافر إلى فرنسا؛ وحصل منها على دبلوم الدِّراسات العُليا في العلوم السّياسيّة، ثم دكتوراه الدَّولة عام 1966م، وقد أحدثت رسالته للدكتوراه صدىً واسعًا على المستوى الأوربي؛ حتى إنَّ المُستشرق الفرنسي «تشارلز ريموند» صرَّح بأنَّ الدُّكتور الفنجري قد صحَّح لديه من خلال هذه الرِّسالة الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام.
كما أُعير الفنجري للعمل أستاذًا للاقتصاد الإسلامي في العديد من الدُّول الإسلامية كالجزائر، وليبيا، والسُّودان، والمملكة العربية السُّعوديَّة.
وجدير بالذِّكر أنَّ المؤلف كان من أوائل من درَّس الاقتصاد الإسلامي في كلية التِّجارة جامعة الأزهر عام 1967م.
كما شغل عددًا من المراكز العلمية، من أهمها: عضويته لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشَّريف، وكذا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، كما عمل مُستشارًا لوزيري الأوقاف والتربية والتعليم في وقته.
وكانت له مُؤلفات علمية كثيرة، أغلبها عن الاقتصاد؛ سيما فلسفات الإقتصاد الإسلامي، منها: مدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، الإسلام والمشاكل الاقتصادية، الإسلام والتأمين، الزكاة بلغة العصر، المذهب الاقتصادي في الإسلام، الإسلام وعدالة التوزيع، الوسطية في الاقتصاد الإسلامي، الفكر الاقتصادي لدى الإمام محمد عبده، جدليّة الإسلام، الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدولة، وغير ذلك.
ومع بلوغه سنّ التّقاعد اشتغل المُستشار الدُّكتور الفنجري بالعمل الخيري، ووهبه جلّ ماله ووقته.
وبعد رحلة حافلة بالعطاء، والبحث العلمي تُوفِّي هذا المفكِّر الكبير في الثَّامن من يوليو عام 2010م، نسأل الله له الرحمة والمغفرة.
[أسلوب الكتاب ومنهجه]من أبرز مُميِّزات هذا الكتاب سهولة لغته، وبيان منطقة، ووضوح فكرته، واتساق منهجه، وهي أمور تجعل القارئ لا يتكلف جهدًا؛ ليصل إلى مقصود الكاتب.
والشَّرح البديع لآيات القرآن الكريم من المُميزات كذلك؛ فعندما تكلم المؤلف مثلًا عن حتمية وقوع الفرج؛ صدَّر طرح فكرته بقول الحق سبحانه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [سورة الشرح: 5، 6]، ثم قال مُعقبًا وشارحًا: هذا إشعار بسرعة مجئ اليُسر، وهذه معيَّة امتزاج لا معيَّة مقاربة ولا تعاقب.
[بين يدي الكتاب]إنَّ تجاوز الأزمات مهارةٌ، ووَعيَ دروسِ المِحن توفيقٌ، لا يصل إليه إلَّا من نظر للشِّدة بعين بصيرته، ورأى المِنَّة في محنته، وأخذ بأسباب نجاته، ثمَّ لم يرجع بعد انجلائها إلى سابق عهده دون فوائد أو عِظات.
لذا احتوى عُنوان الكاتب على مواجهةِ الشَّدائد، وصدِّها، ووَصَفَ الكتابُ السَّبيلَ إلى ذلك مُستهديًا بنور الوحي الشَّريف قرانًا وسنَّة.
طَرَق الكتابُ العديدَ من المعاني الإيمانية المُتعلقة باليقين والإيمان، والابتلاء والامتحان، والقضاء والقدر، والخير والشَّر، ووَصَفَ ردَّات فعل العِباد إذا أظلتهم الأزمات، وحدَّد تعاملهم الأمثل حين وقوع البلاءات.
حيث بيَّن المُؤلف في كتابه أنَّ وجود الشَّدائد سُنَّة حياتيَّة حتميَّة، لم يخلُ عنها زمان، ولم يسلم منها إنسان؛ بيد أنها تكون بالخير تارة، وبالشَّرِّ أخرى، بالعطاء أوقاتًا، وبالحرمان أخرى، قال سُبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [سورة الأنبياء: 35].
وأنَّ سُنَّة الله سُبحانه في الابتلاء أن جعله اختبارًا وتمحيصًا؛ ليرى صدق إيمان المؤمنين وصبرهم وشكرهم، وليظهر السّاخط عند البلاء، الجاحد عند النّعماء؛ كي يتفاضل النّاس ويتمايزوا، ثمَّ يُوفَّى كلٌّ جزاءَه في دنياه وأخراه؛ قال سُبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [سورة محمد: 31].
ثمَّ بيَّن أنَّ النَّاس في مُواجهة الشَّدائد صنفان:الأول: صابرٌ مثابٌ، وأهل هذا الصّنف هم أصحاب العقيدة الرَّاسخة، والإيمان الخالص ممَّن عناهم الله تعالى بقوله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [سورة البقرة: 156، 157].
والصِّنف الثَّاني: ساخطٌ ملامٌ، وأهله هم ضِعاف العقيدة، قليلو الإيمان ممن عناهم الله تعالى بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [سورة الحج: 11]كما أكَّد المُؤلِّف العديد من المعاني التي نُجملُها في النِّقاط الآتية باختصار:
• الأخذ بالأسباب الماديَّة والرُّوحية أهمّ أدوات مُواجهة البلاء.
• منهج الإسلام في التَّعامل مع الشَّدائد والمخاوف منهج وسط؛ بعيد عن اليأس والتَّواكل، خالٍ من الإفراط والتَّفريط.
• واجه الإسلام الشَّدائد بالإعداد النَّفسي لموجهتها، وتصويب المفاهيم الخاطئة حيالها، وبيان حقيقتها وطبيعة النَّفس البشريَّة إزاءها، ومُعالجة هذه الطَّبيعة بما يقي المُسلم شرَّ البلاء، وبما يجعله مُقبلًا على الحياة، راضيًا عن الله، مُستبشرًا بالفرج القريب، دون أن تحبطه المصائب أو تنغصه الشَّدائد.
• لا يخلو ابتلاء من دروس وعِظات؛ فالابتلاء يضع الإنسانَ أمام العديد من حقائق الحياة والنَّاس، ويرى به حقيقة نفسه، ومواطن ضعفها فيقويِّها، ومواطن قوَّته فينميِّها، ويذكره بنعم الله عليه؛ ليستنطقه بالحمد.
• البلاء يرفع المؤمن درجات، ويكفر عنه الخطايا والسَّيِّئات.
• الأجر على البلاء يكون بأربعة أمور: بالرضا والتَّسليم، والصَّبر والاحتساب.
• سُنَّة الله سُبحانه في ابتلاء عباده أن يكون البلاء على قدْر احتمالهم وطاقتهم؛ فالله سبحانه {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سوة البقرة: 286].
• أكثر ما يخافه النَّاس من أنواع البلاء ثلاثة: (الموت، والجوع، والمرض) وكلها بيد الله، وليس للإنسان فيها حيلة إلَّا الكسب من تداوٍ عند المرض، وسعي في طلب الرزق عند الجُوع، واستعداد في كل الأوقات لاستقبال الموت.
• خَلَص الكاتب إلى أنَّ مُشكلات العالم؛ بل مشكلات الحياة الدنيا وأزماتها ومآسيها المستمرة والمتلاحقة ترجع إلى سبب رئيس هو طغيان المادة، ورغبة بعض الأفراد وبعض الدول في السيطرة والتحكم والاستئثار بخيرات المجتمع والعالم دون وازعٍ، أو ضمير؛ لافتًا النَّظر إلى أنَّ الإيمان وحده هو الذي يُحرِّر الإنسان من أسر الخوف والقلق.
ثمَّ وجِّه المؤلف في ختام دراسته إلى فضيلة الإنفاق في سبيل الله، ومساعدة الآخرين حين نزول البلاء، ومدّ يد العون لهم؛ لِمَا للإنفاق والمساعدة والتَّراحم من فضائل؛ إذ هي حصن الإنسان من مختلف الشَّدائد، وبها يُنال رضا الله سبحانه، ويُدفع الضُّر، وتنقضي حاجات الدُّنيا والآخرة، فهي الاستثمار الأمثل للفرد والمجتمع دُنيويًّا وأُخرويًّا.
ورغم كلِّ المَحاسِن التي حوتها صفحات الكتاب؛ إلَّا أنَّه كَطبِيْعَةِ أيِّ عمل بشريٍّ؛ -مهما بُذِلَ فيه من جهودٍ- لا يصل إلى درجة الكمال؛ ولا يخلو من انتقادات.
ومن بين هذه الانتقادات أنَّ بعض الشَّواهد من الآيات والأحاديث ليست في مواطنها، وأنَّ بعضها يشير إشارة بعيدة إلى الشَّاهد محلّ الكلام.
ومِن المَآخذ أيضًا أنَّ المؤلف لم يعزُ بعض الأقوال إلى قائليها، فضلًا عن ذكر مصادرها، بالإضافة إلى عدم التزامه طريقةً واحدةً في عزو الأحاديث؛ فتارة يذكره مباشرة، وتارة يشير إليه في الهامش.
هذا بعض ما للكتاب من حَسَنات، وما عليه من انتقادات، وبالطَّبع لم نقصد في هذه البطاقة تتبع جميع ما له أو عليه؛ وإنما قصدنا إعطاء القارئ تصوُّرًا عامًّا عن الكتاب ومُؤلفه، يدعوه إلى قراءته، ويعينه على فهم الكتاب وأسلوب كاتبه.
[اقتباسات]• «إنَّ الأمم العظيمة وكذلك الأفراد العُظماء، لا تصنعهم الأفراح والأيام السَّعيدة، وإنَّما تصنعهم المِحن والشَّدائد التي تفيقهم من غفلتهم، وتُقوِّم سلوكهم، وتشحذ هممهم، وتفجِّر طاقاتهم، وتفتح لهم أبواب النَّهضة والتَّقدم؛ ليكون الإنسان بحق كما أراد له الله تعالى خليفة في أرضه قويًّا عزيزًا حامدًا شاكرًا مُعتصمًا بحبل الله».
• «إنَّ مِن حِكمة الله تعالى ورحمته أنَّ كلَّ شيء في حياتنا الدُّنيا يبدأ صغيرًا ثم ينمو ويكبر، إلَّا المُصيبة فإنها تبدأ كبيرة ثم تتضاءل وتصغر، وأنَّه مهما كانت شدَّة المُصيبة، أو الكارثة، فإن التَّحلي بالصَّبر، والاستعانة بالله تعالى، وإدراك حكمته في الابتلاء؛ يُساعد المرء على اجتياز مِحنَته، وصدق الله إذ يقول: {..وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [سورة لقمان: 17]».
• «والقاعدة الذَّهبيَّة التي أرساها الإسلام في مواجهة الشَّدائد والمخاوف وسائر أحداث الحياة الدُّنيا وأزماتها، هي سعي المرء إلى إصلاح وتغيير ما يمكن إصلاحه أو تغييره، والرِّضا بما لا يمكن إصلاحه أو تغييره مُحتسبًا ذلك عند الله مُتوكلًا عليه».
المصدر : صدي البلد