فى محافظة القاهرة وتحديدًا فى حى شبرا ، عاش الفنان الكبير سراج منير، الذي وثق جهاز التنسيق الحضارى منزله من خلال وضع لافتة على باب العقار توضح تاريخ الميلاد: 15/07/1904، وتاريخ الوفاة: 13/09/1957 .
ويأتى ذلك في إطار مواصلة مشروع "عاش هنا"، أحد أهم المشروعات التي يشرف عليها جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، جهوده في توثيق المباني والأماكن التي عاش فيها الفنانون والسينمائيون وأشهر الكتاب والموسيقيين والشعراء وأهم الفنانين التشكيليين والشخصيات التاريخية، التي ساهمت في إثراء الحركة الثقافية والفنية في مصر عبر تاريخ مصر الحديث.
سراج منير.. الملاكم الذى تحول إلى فنان
ولد سراج منير، 15 يوليو 1904، لأسرة كانت تسكن منزل الجدّ، محمد علي بك الشاذلي بحى شبرا، وكان والده موظفًا كبيرًا في وزارة المعارف، وتحديدًا في إدارة المناهج، وله من الأخوة، حسن عبد الوهاب، الذي فضل دراسة الهندسة، وفطين عبد الوهاب، الذي درس الفن مثل سراج، وأصبح مخرجًا شهيرًا فيما بعد، ويعتبر سبب اختلاف اسم سراج منير عن أشقائه، يرجع لرغبة والده في تسميته سراج، ورغبة جده في تسميته منير، فوفقت والدته بين الرغبتين وأطلقت عليه اسم مركب "سراج منير".
خلال دراسته الابتدائية اهتم سراج بالرياضة، لا سيما الملاكمة، وسرعان ما أظهر ميولًا أدبية، وفي المرحلة الثانوية أصدر مع أحد زملائه مجلة «سمير» بتشجيع من ناظر المدرسة، واستمر إصدارها أربع سنوات، وتوقفت بعد تغيير ناظر آخر رفض تطرق المجلة في السياسة.
وقدم سراج منير خلال مشواره الفنى العديد من الأدوار المتنوعية ما بين الشر والكوميديا وابن الذوات، وقد اشتهر بالعديد من الأدوار التى لعبها بحرفية شديدة وبراعة كبيرة، وقدم ما يقرب من 100 فيلم سينمائي، قام ببطولة 18 منها، وقدم سراج منير أولى بطولاته السينمائية عندما اختاره صديقه محمد كريم لبطولة فيلمهِ الأول "زينب" وهو فيلم صامت أنتج عام 1930 ومثل فيه أمام الفنانة بهيجة حافظ، وكان هذا الدور من أول أدواره في السينما المصرية
صدفة تقود سراج منير لهواية التمثيل
بدأت هواية التمثيل عند سراج منير بعد حادثة طريفة عام 1922، فقد دعاه بعض أصدقائه إلى سهرة في منزل أحدهم، وحينما وصل إلى المنزل المقصود، فوجئ بأن السهرة عبارة عن مسرح نصب في حوش المنزل، واشترك الحاضرون في تمثيل إحدى المسرحيات، وكان سراج منير هو المتفرج الوحيد، وتركت هذه الحادثة أثرًا في نفسه، حيث ولدت في داخله هواية التمثيل، وبالتالي أصبح عضوًا في فريق التمثيل بالمدرسة، واستمر كذلك حتى أنهى دراسته الثانوية وسافر إلى ألمانيا لدراسة الطب.
سراج منير يترك دراسة الطب فى ألمانيا من اجل التمثيل
سافر سراج منير إلى ألمانيا بعدما أرسلته عائلته إلى ألمانيا لدراسة الطب،نظرا لقلة المبلغ الذي ترسله له أسرته في ألمانيا، بحث سراج منير عن مصدر آخر يزيد به دخله أثناء الدراسة، عندها تعرف في أحد النوادي على مخرج ألماني سهل له العمل في السينما الألمانية مقابل مرتب ثابت، وبدلًا من العكوف على الدراسة، أخذ يطوف استوديوهات برلين، عارضًا مواهبه حتى استطاع أن يظهر في بعض الأفلام الألمانية الصامتة، وبالتالي صرفه عمله الجديد عن دراسة الطب، فهجرها لدراسة السينما، وهو ما تسبب في وفاة والده بعد تعرضه لصدمة من الخبر، وفي ألمانيا التقى سراج منير بالفنان محمد كريم، حيث درسا الإخراج السينمائي معًا، وبعد عام واحد في برلين، انتقل إلى ميونخ حيث كان يوجد أكبر مسرح في ألمانيا، وكان معه في تلك الفترة الفنان فتوح نشاطي.
برقية تنقذ سراج منير من الاسر فى ألمانيا بعد يداية الحرب العالمية
واثناء تواجد سراج منير فى ألمانيا تلقى سراج منير برقية من فرقة مصرية للمسرح تستدعيه للعمل معها، قبل أسابيع من بداية الحرب العالمية الثانية، وكانت البرقية بمثابة المنقذ من الأسر بالنسبة له، حيث بدأت ألمانيا الحرب بدخول النمسا، وتفاقمت الأوضاع، ولم يتمكن مصري واحد من الخروج من ألمانيا إلا بعد ست سنوات، إلا أنه فلت من الأسر بهذه البرقية.
سراج منير يتسبب فى وفاة والده بعد تركه دراسة الطب من اجل التمثيل
بعد ثماني سنوات عاد إلى القاهرة فاستقبلته الأسرة بحفاوة في اعتقادها أنه أنهى دراسة الطب، إلا أنه فأجأ الجميع بالحقيقة، فأصيب الأب بصدمة عجلت بوفاته في اليوم التالي لوصوله، وكان من الطبيعي أن تطرده العائلة للمرة الثانية.
سراج منير يتسبب بأحد أفلامه فى تغيير قانون السبقة الأولى
قدم سراج منير مايقارب من المائة فيلم سينمائي، قام ببطولة 18 منه، من أبرز هذه الأفلام "دهب, عنتر ولبلب، أمير الانتقام، شباب امراة"، فضلا عن تقديمه لشخصية عنترة بن شداد لأول مرة في السينما المصرية، بخلاف ما يعتفد البعض أن فريد شوقي كان أول المجسدين لتلك الشخصية.
ويعد دور سراج منير فى فيلم "جعلونى مجرما" عام 1954 بطولة فريد شوقي وهدي سلطان ،عندما مثل دور العم الظالم لفريد شوقى، من أهم أدواره، نظرا لأن هذا الفيلم ساهم فى تغيير قانون السبقة الأولى فى مصر، فقد صدرعقب عرض الفيلم قانون جديد يلغي السبقة الأولى في الصحيفة الجنائية حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة.
رغم رفض اسرتيهما.. تفاصيل زواج سراج منير من ميمي شكيب
تزوج الفنانة ميمي شكيب عام 1942، واستمر زواجهما قائما حتى رحيله عام 1957، واعتبر هذا الزواج في وقته أحد أقوى الارتباطات الفنية، حيث كان زواجا مبنيا على التفاهم والحب والاحترام بين نجمين كبيرين في تلك الفترة،، ولم ترد أي أخبار عن زواج الفنانة ميمي شكيب بعد وفاة الفنان الكبير سراج منير طوال حياتها وحتى وفاتها بعده بحوالي عشرين سنة وبالتحديد عام 1982.
وتعتبر قصتهما من أشهر قصص الحب في السينما المصرية، تعرف على ميمى شكيب فى فيلم (ابن الشعب) عام ١٩٣٤ وارتبط بها وأحبها ولكن اعترضت أسرته على زواجه بها لأنها مطلقة ولديها ابن من طليقها، بعد عدة سنوات انضم لفرقة نجيب الريحانى المسرحية ليلتقى مرة أخرى بميمى شكيب، ويتجدد حبهما ويتدخل نجيب الريحانى لدى الأسرتين ليقنعهما بزواجهما، وتم الزواج بينهما وعاشا في سعادة 10 سنوات حتى رحل عن الحياة وأصيبت بعدها ميمى شكيب بحالة نفسية سيئة.
الإنتاج السينمائى يتسبب فى إصابة سراج منير بـ ذبحة صدرية
عندما مرض نجيب الريحاني طلب من سراج منير أداء دوره في مسرحية «حكم قراقوش» ففعل ونجح في الدور، ما شجعه على تحويل المسرحية إلى فيلم من إخراج شقيقه فطين، إلا أن الفيلم فشل وخسر سراج ماله، فقد تكلف إنتاجه 40 ألف جنيه، ولم تصل إيراداته لأكثر من 10 آلاف جنيه، فاضطر إلى رهن فيلته التى كان يعيش فيها مع زوجته ميمى شكيب.
بعد فشل الفيلم، أصيب سراج بذبحة صدرية، فنصحه الأطباء على أثرها بالتوقف عن العمل والراحة، لكنه رفض النصيحة وعاد في فيلم «الليلة الرهيبة» مع المخرج السيد بدير وشريفة فاضل، وصور آخر أفلامه «حتى نلتقي» مع بركات وفاتن حمامة، إلا أنه رحل قبل استكمال دوبلاج دوره، في 13 سبتمبر 1957.
وفاة سراج منير المفاجئة.. وحضور زوجته الجنازة بطائرة إسماعيل يس فى الاسطول
كان سراج يقيم مع زوجته فى بنسيون «كريون» بميدان سعد زغلول بالإسكندرية، ونشرت مجلة «الكواكب» فى ذلك اليوم تقول إنه عاد إلى القاهرة وحده ليقابل المسئولين فى الجوازات للحصول على تأشيرة خروج لأعضاء فرقته إلى دمشق ، وصل القاهرة مع عديله زوج زوزو شكيب اللواء نجم غنيم وتناولا طعام العشاء، وعاد إلى شقته بالزمالك بعد منتصف الليل، ووجد ابن زوجته ميمى شكيب اليوزباشى محيى الدين عزت موجودا فسهرا معا حتى الفجر، واتصل بزوجته ليلا وقال لها «أنا صحتى زى البمب» ودخل لينام ، فى الصباح اتصل صديق طفولته عبد الحميد عطالله بالتليفون، ليوقظه ليذهبا إلى الجوازات لكنه كان قد فارق الحياة ، حضرت ميمى شكيب من الإسكندرية مع شقيق سراج المخرج فطين عبد الوهاب بالطائرة الذى كان يصور بها فيلم «إسماعيل يس فى الأسطول».
بعد وفاة سراج منير، قررت ميمي أن تغادر مسكن الزوجية إلى بيت آخر لا يوجد فيه «شبح» سراج وأيامهما الجميلة، كما غيّرت قطع الأثاث التي كان يفضلها، حسب ما قالت في حوار لها، نُشر على صفحات مجلة «الكواكب»:«لم أستطع أن أعيش في الشقة التي كنا نعيش فيها معًا؛ لأن كل ما فيها يذكرني به، لقد بقيت 40 يومًا مذهولة على أثر الصدمة ولم أكف عن البكاء، ولقد قمت بتغيير قطع كثيرة من الأثاث، وكنت أتذكره كلما أراها وتثير في نفسي الحزن والشجن».
يذكر أن مشروع "عاش هنا" يتم بالتعاون مع الجهات والمؤسسات الفنية، ويستعان خلاله بالمُهتمين بتوثيق التراث الثقافي والفني في مصر لتدقيق المعلومات والبيانات التي يتم تجميعها.
المصدر : صدي البلد