"أصل الحكاية في الرياضة"، هي سلسلة من الحكايات المثيرة والملهمة في كرة القدم، وغيرها من الألعاب، نقصها على المتابعين والقراء، في 30 حلقة طوال شهر رمضان المبارك، ونستعرض فيها قصص لها ذكريات خاصة مع الجماهير، وسنحاول في هذه الحلقات، أن نثرى القراء بحكايات متنوعة ومختلفة بين الكرة المحلية والعالمية، وكذلك الألعاب الأخرى.
والآن مع الحلقة (21).. مارادونا ساحر وموهوب ارتبطت حياته بالفوضى
"حينما راوغ مارادونا ستة إنجليز ليسجل هدف الأرجنتين، هبَّت رياح باردة في شوارع بورت ستانلي الخاوية، بينما استمعت القوات البريطانية الموجودة في القاعدة بذُعر كيف لشيطان نابولي الصغير أن يفسد احتفالاتهم بالذكرى الرابعة لاستيلائهم على ما يسمونه الفوكلاند، اصطفت مئات السيارات في بوينِس آيرِس وهي ترفع الرايات وتطالب بإعادة جزر مالبيناس التي خسرها الجنرال غالتيري بالكامل عام 1982، ومن أعلى الشاحنات المليئة بالفتية تردد هتاف باسم مارادونا"، تلك كان وصف دقيق لما شعر به الشعب الأرجنتيني مع هدف مارادونا، وصف جاء في كتاب "حكايات عامل غرف: مختارات من أدب كرة القدم الأرجنتينية".
بدأ تألق مارادونا في سن صغيرة جدا بعد أن قاد المنتخب الأرجنتيني للفوز بكأس العالم للشباب عام 1979، بعد سنة واحدة من نجاح المنتخب الأول في الفوز بكأس العالم 1978 التي احتضنتها البلاد، وهي إحدى أكثر النسخ إثارة للجدل في تاريخ المونديال.
في مونديال المكسيك عام 1986، لم تكن الأرجنتين من بين المرشحين للفوز باللقب، ولكن بدأت الآمال تكبُر بعد التعادل مع بطل العالم إيطاليا في الأدوار الأولى، حيث أظهر مارادونا موهبة نادرة ولعب بأداء فردي باهر أوصل منتخب بلاده في الأخير إلى مباراة فاصلة مع إنجلترا في دور ربع النهائي. وقد جاءت المباراة بعد سنوات أربع على اندلاع الحرب بين البلدين بسبب الصراع على جزر "فوكلاند" (مالفيناس) الواقعة أقصى جنوب الأرجنتين، والخاضعة للسيادة البريطانية منذ عام 1833، إذ تمكَّن الإنجليز عام 1982 من طرد القوات الأرجنتينية من الجزيرة بعد أن أسفرت الحرب التي استمرت لعشرة أسابيع عن مقتل وإصابة نحو 2000 شخص.
سجل اللاعب الارجنتيني 259 هدفا في 491 مباراة، وتفوق على منافسه الأمريكي الجنوبي في حصيلة الأصوات التي حصل عليها في عملية الاقتراع لاختيار أعظم لاعب في القرن العشرين، قبل أن يغير اتحاد كرة القدم الدولي (فيفا) قواعد التصويت ويخلص إلى تكريم اللاعبين معا.
وأظهر مارادونا قدرات استثنائية منذ مراهقته عندما لعب مع فرق الناشئين والشباب، ابتدأها باللعب مع نادي أستريلا روجا ثم فريق نادي أرجنتينوس جونيورز، قبل أن يتقدم لاحتراف اللعب عالميا وهو بعمر 16 عاما و 120 يوما، حيث لعب أول مباراة دولية له مع منتخب الإرجنتين ضد منتخب المجر.
لا يبدو مارادونا في صوة الرياضي المثالية؛ فهو قصير وبدين نسبيا ولا يتجاوز طوله خمسة أقدام وخمس بوصات، بيد أن مهاراته الفائقة في اللعب وخفة حركته وقدرته على المراوغة والانسلال بين اللاعبين وسيطرته على الكرة وتمريراته الناجحة، كلها مهارات تعوض وتغطي على نقص السرعة والوزن الزائد نسبيا.
وإذا كان مارادونا بارعا في مناورة وإشغال حلقات دفاع الخصم، إلا أنه وجد أن من الصعب عليه المراوغة وتفادي المشاكل في حياته الحقيقية.
وحكم على مارادونا بالسجن عامين و 10 أشهر مع وقف التنفيذ بعد إدانته في إطلاق نار على الصحفيين ببندقية هوائية. وأدى تعاطيه للكوكايين وإدمان الكحول إلى العديد من المشكلات الصحية وزاد وزنه حيث وصل إلى 128 كيلو غراماً في وقت من الأوقات، وتعرض لأزمة قلبية شديدة في عام 2004 ودخل العناية المركزة. خضع لعملية جراحية في المعدة للمساعدة في القضاء على السمنة التي كان يعاني منها وتوجه إلى كوبا للاستجمام وللتغلب على مرضه. وعلى الرغم من كل هذا تم تعيين مارادونا مدرباً للمنتخب الأرجنتيني الوطني في عام 2008 وقاد الفريق إلى ربع نهائي كأس العالم بعد ذلك بعامين أن ينتهي عهده بهزيمة 4-0 أمام ألمانيا في مرحلة ربع النهائي. وخير مثال على أسلوب حياته الفوضوية كان عندما حضر مباراة الأرجنتين ضد نيجيريا في كأس العالم 2018 في روسيا، فقد كشف النقاب عن لافتة تحمل صورته، ورقص مع أحد مشجعي نيجيريا وتضرغ إلى السماء قبل المباراة واحتفل بشدة عندما سجل مواطنه ليونيل ميسي هدفاً لبلاده ونام وألقى تحية مزدوجة بإصبعه الوسطى بعد هدف الأرجنتين الثاني، وأشارت بعض التقارير إلى أنه احتاج إلى علاج طبي بعد ذلك.