أبطال هذه اللحظة هم الجيش الأبيض، من أطباء وممرضين، وكل من له علاقة بصحة البشر، فهم خط الدفاع الأول عن النفس البشرية، خصوصا في هذه المرحلة التى تمر بها مصر والعالم، مع الجائحة التى تتوسع مخاطرها على الجميع.من حق هؤلاء أن نرفع له القبعة، وتنحنى لهم الرءوس، فهم يخاطرون بحياتهم يوميًا بين حالات الإصابة بهذا الفيروس الملعون «كورونا المستجد»، «كوفيد-19»، والأطباء والممرضون أكثر الناس عرضة للإصابة بسبب مخالطتهم المرضى.والتضحية لا تتوقف عن هذا الحد، بل تتعدى في مخاطرها إلى أسرهم وكل من يخالطهم، ليصبح أفراد هذا الجيش الأبيض في عزلة صحية شبة دائمة، وهذه هى ضريبة من يعملون في هذه المهنة.والمؤكد أن فريق التطبيب في مصر والعالم، سيظل خط الدفاع الأول، ليس في أزمة «كورونا» فقط بل في مختلف الأزمات الصحية، وهم يدركون ذلك، ويعلمون علم اليقين أن الثمن صعب، لكن أرواح الناس وحفظ النفس البشرية، هى مهمة موكلة لهم بحكم الاختيار، والتعرض إلى المخاطر هم على إدراك بها، ولا أعتقد أن أيًا من هؤلاء لا تغيب عنه تلك الحقيقة، والتنصل منها بمثابة خيانة للنفس والقسم الذى تعلموه على مدى السنوات.والتحية واجبة لأفراد هذا الجيش في كل بقاع الأرض، وفى بلادنا بشكل خاص، نظرًا لاختلاف الإمكانيات والظروف وبيئة العمل، وحتى المقابل عن هذا العمل.وما يقوم به أفراد التطبيب من أطباء وممرضين يفوق أى جهة أخرى، حيث إنهم الجيش الحقيقى، الذى تتواصل على أيديهم النفوس بإرادة الله، ويمثلون أهم أسباب الحياة للبشر واستمرارها.وقصة شهيد الجيش الأبيض الدكتور أحمد اللواح «57 عامًا»، والذى نعته وزارة الصحة بعد أن وافته المنية قبل أسبوع متأثرا بإصابته بفيروس كورونا المستجد بعدما أمضى في العزل المنزلى نحو 12 يومًا، وبعد ارتفاع حدة بمضاعفات مرض فيروس «كوفيد- 19» اللعين، مجرد نموذج وليست القصة الأخيرة.قصة طبيب التحاليل والأستاذ بكلية طب جامعة الأزهر الدكتور اللواح، وارد أن تتكرر، وربما بل حتما أنها تكررت في ظل انتشار هذا الوباء في العالم، وفى مصر، لأن العدوى وصلته بعد أن خالط مريضًا هنديًا، والذى كان يعمل مهندسًا في أحد مصانع بورسعيد ويسكن بجوار الطبيب، وطلب إجراء بعض التحاليل لأنه لا يشعر بأنه بخير. والمعلومات تشير إلى أن الطبيب وبعد أن أجرى التحاليل طلب من المهندس الهندى سرعة التوجه لإجراء أشعة مقطعية على الصدر، وكانت النتيجة أن هناك تغيرًا في الرئة وهو ما يعنى إصابته بفيروس كورونا، حيث تم عزل المهندس الهندى وإيقاف العمل بالمصنع ووضعه تحت الحجر الصحى لمدة أسبوعين.ومن هنا بدأ قصة مرض الدكتور اللواح الذى دفع ثمن مهنته، فقد قام بإجراء بعض التحاليل لنفسه، فتبين له أنه مصاب بالفيروس، فعزل نفسه لمدة 9 أيام، ثم طلب من زميل له التواصل مع المسئولين لإتاحة مكان له في مستشفى به جهاز تنفس صناعى، لتتكشف الحقائق بعد ذلك بأن المرض انتقل إليه ليس وحده بل لزوجته وابنته، لتنتهى بوفاته، بعدما تسارعت تدهور صحته خلال عزله في مستشفى «أبوخليفة» للعزل بمحافظة الإسماعيلية.تلك قصة من قصص عديدة توجه هذا الجيش بمختلف أفراده، نصيبهم، أو قل ضريبتهم هى المخاطرة بالحياة بأنفسهم وأنفس من حولهم من أجل حياة الآخرين، فكم من فرد من جيش مصر الأبيض خالط مصابين بفيروس كورونا، وهم يعلمون أو لا يعلمون، القضية أنه ثمن التضحية، والمصير قد يكون الشفاء، أو نفاذ قضاء الله، وسيظل هذا الخطر يداهم العديد من جنود هذا الجيش، الذى يمثل اليوم ودائمًا الحصن لأوراح البشر، وليس للقتل، لأنهم جيش من نوع خاص جدا، وكلمة «ملائكة الرحمة» ليست مجرد كلمة تخص أصحاب الرداء الأبيض، بل كلمة تحمل الكثير من المعانى لكل من تتصل أعماله بمهنة التطبيب.مكافأة أفراد الجيش الأبيض، ليست مجرد زيادة بدل هنا أو هناك، بل الأمر يقتضى أن نوفر الحماية لهم، من خلال ميثاق جديد، تتطلب أن تعكف عليه جهات الاختصاص، بالاشتراك مع أصحاب المصلحة أنفسهم، لنحمى جيشًا يحمل على أكتافه أرواح بشر، ويحملون أرواحهم بين أطراف أصابعهم، بل تصبح أسرهم وعائلاتهم في مرمى الخطر بين لحظة وأخرى، فالنماذج كثيرة ومتنوعة، والحماية واجب تقتضيها ليست المسئولية فقط بل الإنسانية، حتى لا يكون «اللواح» بداية لسلسلة لا تنهى.
المصدر : البوابة نيوز