قد يكون الحديث عن «ما بعد كورونا» سابقا لأوانه.. خاصة وأن الوباء ما زال في بداياته.. ويبدو أنه لن ينحسر قريبا.. في ظل انتشاره السريع.. وارتفاع عدد ضحاياه.. سواء كانوا من المصابين أو المتوفين.. وإذا كانت الأزمة العالمية حاليا.. أزمة صحية في المقام الأول.. فإنه بعد انحسار المرض والقضاء عليه.. سيواجه العالم أزمات أخرى كثيرة.. كنتائج حتمية لهذا الوباء.. وسيكون في مقدمة هذه الأزمات.. الأزمة الاقتصادية المتوقعة.. التى ستضرب العالم أجمع.الجميع يتوقع كسادا وركودا اقتصاديا كبيرا بعد انحسار الفيروس والسيطرة عليه.. فالاقتصاد العالمى.. حتى وإن لم تحدث تلك الأزمة الصحية العالمية.. كان مهيأ للكساد والركود بعد أن انخفض معدل نموه العام الماضى.. لأدنى مستوياته.. منذ الأزمة المالية العالمية الحديثة «2007-2008».. التى اعتبرت الأسوأ بعد الكساد الاقتصادى الكبير الذى استمر من 1929 حتى 1933.. فقبل ظهور فيروس كورونا.. لم يكن العالم قد تعافى من آثار الأزمة الاقتصادية الحديثة.. التى نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007.. وانفجرت في 2008.. وسرعان ما امتدت لتشمل الدول الأوروبية والآسيوية والخليجية والأسواق الصاعدة والدول النامية.. وطالت الأزمة جميع اقتصاديات دول العالم.. ولم يسلم منها أحد.. فانهارت أسواق المال.. واضطربت أسواق الصرف.. وتراجعت أسعار النفط.. وأغلقت البنوك.. وانخفضت معدلات النمو.. وتهاوت مستويات الائتمان.. وشُلَّت حركة التجارة.. ونضبت تدفقات رءوس الأموال.. وارتفعت معدلات البطالة في جميع أنحاء العالم.وقد أدت هذه الأزمة إلى تراجع معدل النمو في الاقتصاد العالمى.. وظل يتراوح بين 3 % و4% منذ عام 2009 حتى عام 2018.. وجاءت ٢٠١٩ لتحقق أسوأ معدل نمو بعد الأزمة.. بنسبة لم تتجاوز 2.5 %.. وأدى التراجع في معدلات نمو الاقتصاد العالمى.. إلى تراجع معدل نمو التجارة الدولية.. ليصل العام الماضى أيضًا.. إلى أبطأ معدل تبادل تشهده التجارة الدولية.. منذ بداية الأزمة المالية العالمية الحديثة.. حسب تقرير صندوق النقد الدولى عن الاقتصاد العالمى في نهاية 2019.. مما يؤكد أن العالم لم يتعاف من آثار أزمة 2007- 2008.. ثم جاءت أزمة كورونا.. لتجتاح العالم.. وتزيد الآلام وتعمق الجراح.. وتضيف للأزمة أزمات عاجلة واجلة.إن ظهور أزمة كورونا.. مع نهاية 2019 وبداية 2020.. زاد من حدة الخلل الاقتصادى.. وأدخل العالم في دوامة غير واضحة المعالم.. وإن كانت نتائجها لا محالة قاسية.. ولكن لا يمكن تحديد هذه المعالم في الوقت الحاضر.. لأن العالم منشغل الآن بحربه مع الفيروس اللعين.. الذى لم يتوقعه أحد.. ويموت بسببه عشرات الآلاف حول العالم.. ويتأجل الانشغال بالأزمة الاقتصادية.. لما بعد انحسار فيروس كورونا.. والذى لا يعلم أحد متى سينحسر ويندحر.إن التجارب البشرية مع الأوبئة الكبرى.. لا تبشر بانتهاء أزمة كورونا في القريب العاجل.. بل تؤكد أن الأخطر في تلك الأزمة الصحية.. لم يأت بعد.. وأنا هنا لا أشيع الاحباط والتشاؤم.. ولكن التاريخ يقول ذلك.. فآخر وباء كبير ضرب الكرة الأرضية.. وقع منذ قرن.. وهو وباء الإنفلونزا الإسبانية.. التى استمرت عامى 1918 و1919.. وأصابت أكثر من 500 مليون شخص في مختلف الدول.. أى ما يقرب من ثلث سكان العالم في ذلك الوقت.. وخلفت ما بين 50 إلى 100 مليون متوفى.. أى أكثر من ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية مجتمعتين.والآن وبعد بضعة أشهر من ظهور فيروس كورونا المستجد.. في نهاية ديسمبر الماضى في الصين.. وانتقاله من مشارق الأرض إلى مغاربها.. في زمن قياسى.. وإصابته مئات الآلاف.. وقضائه على عشرات الآلاف.. لا نعلم متى سيتم السيطرة عليه ومحاصرته والقضاء عليه.. فقد ضرب الدول المتقدمة قبل الدول النامية.. وأصاب دولا كبرى بالشلل في مختلف المجالات.. بعد أن عجزت عن مقاومته.. وأفلتت الأمور من بين يديها.نحن اليوم أمام أزمة صحيةً عالمية خطيرة.. لم يضع أحد حلولا لها ولا علاجا يداويها.. فقط اتخاذ تدابير قاسية ومؤلمة.. من حظر وعدم تنقل وتعطل دراسة وتوقف إنتاج.. وحرب مع عدو مجهول.. لم يتم بعد صنع سلاح أو مضاد يوقف هجومه الشرس أو يقضى عليه.ونحن في مصر ما زلنا قادرين على محاصرة المرض وتجاوز الأزمة.. إذا تحمل كل منا مسئوليته والتزم بواجبه.. تجاه نفسه وتجاه الآخرين.. أما إذا استهنّا بالأمر.. فستفلت الأمور من بين أيدينا.. وستكون العواقب وخيمة.. كل التحية لجميع أفراد الجهاز الطبى.. الذين يقفون في الصفوف الأولى.. في مواجهة هذا العدو القاتل.. بكل شجاعة وتضحية.. حمى الله مصر والمصريين وجميع البشر من هذا الوباء اللعين.. وخلصنا الله منه بأقل الأضرار والخسائر.
المصدر : البوابة نيوز